في الوقت اللي قضيته في الدراسة أو العمل في أمريكا، لازم كنت دايمًا أشتاق للرجعة للأهل والأصحاب وعلى قد ما همّا كمان متلهفين على رجعتي، ماكان في يدي شيء أعمله غير إني أحنّ للرجوع والراحة في بيت العائلة.
الوالدة تحضني، والوالد يعطيني نصيحة من ذهب ، وأطلع مع أصحابي نشرب القهوة، يا سلااام !
لكن وقت الجد ممكن كل شي يتغير، يعني وقت الرجعة للسعودية، السعادة اللي كنت تتوقعها ممكن ماتكون حقيقة، و أثر الصدمة الثقافية العكسية ممكن يكون أصعب مما تتصوره !
قضيت 12 سنة أسافر أمريكا وأرجع أكمل دراستي وأشتفل في شركة “سيليكون فالي”، تصوري عن بيتي وثقافتي تقريبًا انتهى في المرحلة الثانوية وما خطر في بالي إنه الناس ممكن تتغير أو حتى أنا أتغير .
اختلاف كبير في الجانب الثقافي بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية، والجاي هنا مواقف كثيرة تأكد قوة هذا الاختلاف وقت العودة من الخارج للسعودية .
صديقي مالك وصفها بدي الطريقة :
” كل الخدمات اللي عشتها في الحياة برة واللي كانت سهلة مثل دفع الإيجار اونلاين و جودة خدمات العملاء ماكانت موجودة أصلا لما رجعت للسعودية ”
تعودنا على إيداع الشيكات من الجوال مثلًا..
آسف آسف، صحيح الدفع اونلاين موجود عندنا لكن مافي مقارنة! . كل اللي عليك إنك تهيأ نفسك لشوية إحباط !
نصيحتي الوحيدة عشان تخلص أمورك بدون عصبية، خصص لها وقت من يومك حتى لو كانت صغيرة.
بعد ماقضيت ثلث من حياتي في بلد ثانية، صرت حتى أفكر بيني وبين نفسي باللغة الإنجليزية ! فحتى بعد 6 سنوات من العودة للوطن اللغة الإنجليزية كانت فعلا لغتي المختارة إلا في أوقات المجاملات أو وقت ما أسحب فلوس من الصراف….فلوس مافيها لعب هههههههه . لكن أعتقد الوضع أتحسن الآن.
تخيل نفسك هذي المدة كلها تتكلم لغة ثانية كامل يومك غير المدرسة والعمل وفي ليلة وعشاها يتغير الموضوع عليك!
وفوق دا اتهمت بأني أتكلم إنجليزي بس عشان أصير الولد الكول، لكن ببساطة كان من الصعب أحد يصدقني، ما كنت أقدر أفكر بالعربي قبل ما أتكلم أو حتى أنطق.
مصممة الجرافيك اللي كانت تشتغل معايا في نفس الشركة سبق وقالتلي إنها تقدر تتكلم وتخلط اللغة العربية والإنجليزية في نفس الوقت ونفس الجملة، بس طبعًا لكل شخص قدرات عقلية غير عن التاني، لكن كان خوفي الأول كيف الوقت ممكن يغير هذا الشي!
أحد هذي التغييرات واللي كان من الصعب التأقلم على فهمها هو رد الفعل القاسي ، في أمريكا ينظر دائمًا إلى “النقد البناء ” كوسيلة لتحسين نفسك أو المكان اللي تشتغل فيه.
أما في السعودية الوضع مختلف، النقد البنّاء يعترف بيه كنوع من أنواع الوقاحة لشخص معين، مثلا الناس تشوف إنه نتيجة مشروعها حتكون أحسن لو مشيوا على طريقة معينة.
لذلك لازم تنتبه لمّا تقول رأيك ، ولا تعطي ردود فعل مباشرة قبل ماتفكر وإذا اخترت إنك تقول حاول تقولها بطريقة إيجابية بس خلّي في بالك إنه تعليقاتك ممكن تؤخذ من جانب سلبي .
كل شخص يتغير على مر الأيام والسنين، لكن إنك تشوف هذي التغييرات في أصحابك وعيلتك بعد 10 سنوات ممكن الموضوع يكون أصعب عليك بشكل خاص . وإنت كمان حتتغير و حييقولوا عنك ” أمريكا غيرتك ! ” أكثر جملة حتسمعها !
زوجتي فسرت الصدمة الثقافة العكسية مثل شعور شخص غريب يجلس مع مجموعة أصحاب وعيلة ، و سمعت ناس توصفها بنفس الطريقة. عندك تقريبًا حل واحد إنك تتعلم الكلام والتفكير زيهم من جديد والاكتئاب هو النتيجة الحقيقية .
صاحبي هيثم يقول : ” أعتقد أنه وحدة من أصعب المواقف ذهنيًا، هذا التأثير يخلف وراه نوع من الهيستيريا اللي ما تقدر تعترف فيها في حين معاناتك من الصدمة الثقافية ”
أحد التغييرات إني لازم أحدد أولوياتي. الأولوية لعملي ومهنتي، بداية عملي الخاص كان بالنسبة لي إني أرمي كل شي ورا شغفي حتى أقدر مستقبلًا أهتم في عيلتي .بعض أصحابي كانوا معارضين هذا الشيء لكن قدرت أقنعهم.
نصيحتي للآخرين التفكير بعمق في قيمهم و أولوياتهم! هل إنت راضي عن هذه التغييرات أو إنها تحرجك ؟ بغض النظر عن مشاعرك لو كانت فعلا أولوياتك لازم توقف وترمي أحاسيسك ورى ظهرك تمامًا ، حتى لو اضطريت تعيد بناء دائرة أصحابك من أول وجديد صدقني هذي الدائرة حتكون أقوى وما تنكسر بسهولة !
الكثير في السعودية يسافروا بعد الثانوية للدراسة في الخارج ومن المتوقع الرجوع مع الشهادة عشان تشتغل فيها لخدمة بلدك، بالنسبة ليا كان الكلام عن هذا الشيء أسهل من الفعل !
اشتغلت في “سيليكون فالي” لمّا كانت هذي المنطقة في عزها، كانت الحياة فيها كأنك واقف في طابور “الأبل ستور” منتظر الايفون الجديد يوم بيعه في السوق. كنت أشتغل بإستمرار وأتعلم وأصنع وأبحث وأخطط للمنافسة على الأفضل !
كموظف في أحد أحسن الشركات، الموجودة في أكثر المدن و الدول تقدمًا في التقنية..آخ إحساس كأني في قمة العالم!
أنا حقيقي أحب بلدي لكن مافي أي مقارنة بينها وبين أمريكا ما بين البنية التحتية و ثقافة العمل والتقدم التكنولوجي ، أمريكا تعيش عصر متقدم عننا بكثير وإحنا ورا بحوالي سنوات!
في كل مرة أرجع آخذ مواقف كثيرة أتوقعت فيها إني أقدر أساعد في الإبتكار وأعرض تجربتي، كنت أحس إنه روحي قاعدة تنعصر بقد ما كنت أعرف إنه مافي أي تحدي في العمل.
بالنسبة لي كان الحل إنه ابدأ عملي الخاص حتى أقدر أستفيد قد ما أقدر من استخدام مهاراتي وتعليمي لمساعدة الشركات السعودية الثانية و رفع الإقتصاد في وطني.
وبالنسبة للآخرين اللي كانوا يواجهوا نفس شعوري من الرجوع إلى الوطن ومواجهة نفس النتايج، أتوقع مافي أحسن من أخويا ماجد لما قالها ” بلدنا تتطور بطريقة بطيئة جدا، والعودة ليها هو مصيرك . فإنك تحاول تطبق اللي تعلمته في الخارج راح تعمل فرق كبير لأنك الجيل الجديد اللي حيصنع هذا الفرق”
دور على مكان تقدر تعطي فيه!!
بعد زواجي في عام 2008 انتقلت مع زوجتي إلى كاليفورنيا نبدأ حياتنا سوى وكان هذا أفضل قرار عملته!
وصلنا إلى تعلم كيف نعيش الحياة كإثنين مو شخص واحد، اكتشفنا حاجات كثيرة عن بعضنا أكثر من قبل الزواج ، وأقدر أقول بكل صراحة إنه لو ما عشنا برا بعد الزواج ما اعتقد أن حياتنا الزوجية استمرت!
في أمريكا كان وقتنا ملكنا، قدرت أدرس وأكون مع اصحابي وأروح للنادي في الوقت اللي كنت بعمل فيه أفضل ماعندي .
في السعودية.. وقتي ماصار ينتمي ليا أبدا بحكم إننا في مجتمع اجتماعي بحت، وعشان كدا كان جدًا طبيعي لأي أحد يتدخل في حياتك. حاولت إني أغير البعض من هذي العادات والقوانين. وبعد فترة اتعودت على جدولي الجديد بإني أشغل نفسي في مقابلات العمل والتخطيط لشغلي الخاص.
رجعنا عشان نكون كأننا زوار في بيت شخص بعد ما كنّا عايشين حياة مستقلة جدا في عالم ثاني من الكرة الأرضية !
وحتى يومنا هذا، ما قدرت ألقى طريقة مثالية للتعامل مع الضغوط اللي سببها الصدمة الثقافية العكسية واللي تعرف بأنها أحد أصعب مشاكل الرجعة لبلدك مرة ثانية !
لمّا يكون الموضوع متعلق بالشغل، أمريكا و السعودية جدًا مختلفين في كل شيء، السعودية في الشرق و أمريكا في الغرب !
أولا وقبل كل شيء، كنت أحس بتقدير و ثقة مدرائي في أمريكا فيا و في شغلي، أي وقت كنت أحتاج أي معلومات لأي مشروع كانو يشاركوني بيها بدون ما أسأل حتى! لكن في السعودية كان وضع الثقة جدًا محبط، وبالتالي كان صعب ألاقي مصادر تجاوب أسئلتي أو تدعم نجاح مشاريعي.
ومن ناحية تانية استوعبت إني أقدر أثق في الموظفين في أمريكا أكثر ! فلمّا بدأت عملي الخاص في السعودية كان توفير ثقافة للعمل والبيئة الإيجابية لدعم المواهب الشبابية الرهيبة وإني أتبناها شيء أرغب فيه بالضبط زي االشركات الي شفتها في “سيليكون فالي”. وكان جزء من هذه الثقافة إني أسمح للموظفين يعملوا شغلهم أونلاين في البيت، واللي كان شيء يقدره الموظفين الأمريكيين ويحترموه . لكن بعد شهور من بدأ الشغل الفعلي إكتشفت إنه شغلي يعاني من مشاكل قوية في أساسه ! ما أتوقع إنه إحنا مستعدين لهذا النوع الإداري للآن !
وهذا الشيء صدمني فعلًا للمرة التانية، وللآن بأحاول أستوعب قد إيش توقعاتي الأمريكية بعيدة كل البعد عن التوقعات السعودية.
للأسف سمعت هذي النصيحة كثير ولكن توقعت إننا أقوى من الهروب من تحديات الرجعة للسعودية.
صاحبي خالد اقترح عليا أهدّي من حماسي وما أرفع توقعاتي عن السعودية بعد الرجعة عشان ما أمر بهذي الصدمة .
ومن بعض الاقتراحات اللي جاتني إني أروح لدكتور نفسي عشان أقدر أكون شخص مرن وأتأقلم أكثر على التعامل مع الكل. أعطي نفسك مهلة عشان تقدر تتأقلم مع العيلة والأصحاب، جهز نفسك معنويا إنك تنزّل من توقعاتك شوية، أتعلم كيف تختار تحدياتك عشان تقرك تتخطاها!
مهما كانت الطريقة الي اتبعتها عشان تساعدك على التكييف،لازم تعرف إنه في كثير من الناس بيعيشوا ويمروا بنفس الشيء اللي إنت بتمر فيه ..إنت مو وحدك !
في النهاية إنت رجعت بلدك لسبب، وسبب أقوى منك.
حابب كل شخص يشاركني كيف قدر يواجه الصدمة الثقافية ، وبغض النظر عن المكان اللي كنت فيه أو المكان اللي حتعيش فيه . أرسلي أفكارك وتجاربك على حسابي في تويتر @motazhajaj مع هاشتاق #غريب_في_بلدي